كان العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عقدًا سيئًا لدراسة التطور البشري. نشرت مجلة معهد سميثسونيان مؤخرًا مقالًا بعنوان "أكبر اكتشافات هذا العقد في تطور الإنسان"[1]. افتتحته بالقول:
تطور البشر أحد أكثر مجالات البحث العلمي حيوية. شهد العقد الماضي العديد من الاكتشافات التي وسعت فهمنا لأصولنا البشرية. احتفالًا بالذكرى السنوية العاشرة لـ "قاعة ديفيد إتش كوخ للأصول البشرية" في معهد سميثسونيان، نعرض لكم بعض أكبر الاكتشافات في التطور البشري خلال السنوات العشر الماضية.
ما هي الاكتشافات الكبرى لهذا العقد؟ هل قدمت لنا أدلة جديدة ومقنعة على تطور البشر من رئيسيات أدنى منهم؟ الحقيقة أن بعض هذه الاكتشافات الكبيرة أضعفت أدلة التطور البشري، أما باقي الاكتشافات فغاية ما توصف به أنها تعديلات بسيطة على نظريات سابقة، ولا تؤثر كثيرًا على المبادئ الأساسية لعلم الإنسان القديم.
الحمض النووي القديم
أول اختراق علمي كبير ذكره معهد سميثسونيان هو اكتشاف الحمض النووي القديم. وهذا تطور هام فعلًا في حقل علم مورثات الأحياء القديمة paleogenetics المزدهر - أظهر وجود سلالات فرعية مختلفة من مجموعات حديثة جدًا شبيهة بالإنسان مثل إنسان دينيسوفا أو دينيسوفان Denisovans التي وجدت في المليون سنة الماضية. ورغم أنه دليل جديد ولافت للاهتمام، إلا أن الحمض النووي القديم في الوقت الحاضر لا يقدم شيئَا فعليًا بخصوص مبدأين أساسيين من مبادئ علم الإنسان القديم التطوري وهما:
(1) فرضية أن البشر المعاصرين ينحدرون من أنواع غير بشرية أو أقل بشرية أو بدائية،
(2) والادعاء بأن هذه "الأنواع من البشر الأوائل" التي اكتشفت مؤخرًا مختلفة تمامًا عنا.
صحيح أننا نعرف الحمض النووي للدينيسوفان، ولكن حاصل ما نعلمه حاليًا أن الدينيسوفان كانوا بشرًا مثلنا.
الاكتشاف الثاني الكبير في العقد الماضي كان "هومو ناليديHomo naledi "، وهو أمر لافت أيضًا لأنه يمثل مخزنًا ضخمًا من أحافير أسلاف الإنسان، التي تضيف الكثير إلى معرفتنا عن سجل الحفريات. في البداية، وصفت التقارير الإخبارية هومو ناليدي بأنه "سلف للإنسان"[2]. لكن وجد في عام 2017 أنه يبلغ من العمر بضع مئات من آلاف السنين، بما يعتبر أصغر بعشر مرات مما يمكن اعتباره أحد أسلافنا التطوريين. لقد مثّل هذا إخفاقًا كبيرًا لأنصار التطور البشري، كما ذكرنا في مقال سابق[3].
إخراج الموتى
هناك ادعاء رئيسي آخر حول نوع هومو ناليدي بأنه دفن موتاهم - مما يعني ضمنيًا أن هذه الأنواع ذات الأدمغة الصغيرة قد بدأت تظهر شيئًا من السلوك والذكاء الشبيه بالإنسان. ولكن هناك شكوك كبيرة حول هذا – انظر المقال الذي نشرناه على أخبار التطور للمراجعة [4]. كان هومو ناليدي اكتشافًا أحفوريًا مذهلًا، لكن بكل بساطة لم نعثر على دليل يثبت أنه نوع صغير الدماغ ويتمتع في الوقت نفسه بذكاء يناسب أن يكون سلفًا للبشر.
والحقيقة فإن الموضوع الرئيسي لعلم الإنسان القديم في عام 2010 هو معارضة الاكتشافات والتحليلات الجديدة لأعمار الحفريات تتعارض مع القصة التطورية المفضلة.
عمرها أقصر من المتوقع
أما ثالث اكتشاف كبير سجلته مؤسسة سميثسونيان لهذا العقد فهو اكتشاف جمجمة شبه كاملة العام الماضي من أسترالوبيثكس أنامينسيس Australopithecus anamensis، يعود تاريخها إلى حوالي 3.8 مليون سنة. كتب غنتر بيكلي Günter Bechly مراجعة ممتازة لهذه الحفرية الموجودة على موقع أخبار التطور [5]، وأشار إلى أن هذه الجمجمة سمحت ولأول مرة للعلماء بمعرفة الشكل الحقيقي لنوع أسترالوبيثكس أنامينسيس بالفعل. لكن حداثة عمرها غير المتوقعة جعلها تتداخل زمنيًا مع نسلها المفترض، أي نوع أوسترالوبيثيكوس أفارينيسيس A. afarensis. نقلت مجلةScience Daily عن أحد العلماء المشاركين في الاكتشاف قوله: "كنا نعتقد أن أسترالوبيثكس أنامينسيس قد تحول تدريجيًا بمرور الزمن إلى أوسترالوبيثيكوس أفارينيسيس" لكن بسبب حداثة عمر الحفرية تركنا هذا الاعتقاد. أوضح بيكلي:
مثل هذا التطور بالتخلق التجددي anagenetic evolution عن طريق التحولات التدريجية من نوع إلى نوع (دون أحداث مفرعة) قد تنبأت به نظرية داروين فعلًا. لذلك، يلزم أن نتوقع العثور على بعض الأدلة الأحفورية لهذه العملية الهامة. لكن تبين أن هذه الأدلة بعيدة المنال (انظر أدناه)، وكانت حالة الانتقال المفترض من أ. أنامينسيس إلى أ. أفارينيسيس "إحدى أقوى حالات التخلق التجددي في السجل الأحفوري" (اقتبسMelillo في مارشال 2019، Kimble وزملاؤه 2006، هيلا سيلاسي 2010). لقد تبخرت هذه الحالة وهي الحالة الأقوى حتى الآن، ولم تكن الحالة الأقوى فحسب، بل كانت أيضًا الحالة الأخيرة ...
وسنعيد سرد القصة، اكتشف في عام 2006 أحافير أ. أنامينسيس التي تسبق زمنيًا أ. أفارينيسيس، وأثار هذا الاكتشاف ضجة كبيرة. قرر علماء أنثروبولوجيا الآثار القديمة أنها أظهرت علاقة مباشرة من نوع علاقة سلف/خلف بين هذين النوعين. كتب تيم وايت وزملاؤه في ذلك الوقت في مجلة نيتشر [6] "أقدم نوع موصوف من أسترالوبيثكس هو أ. أنامينسيس، وهو النوع الزمني السلفي المحتمل لنوع استرالوبيثكس أفارينيسيس" التقطت وسائل الإعلام القصة ووصفتها بأنها دليل قوي حقًا على التطور. على سبيل المثال، ذكرت وكالة أسوشيتد برس [7]:
إن آخر حفرية اكتشفت في بقعة ساخنة لأسلاف الإنسان في إفريقيا سمحت للعلماء بربط أكثر سلسلة اكتمالًا للتطور البشري حتى الآن مع بعضها البعض... قال المؤلف المشارك في الدراسة وعالم الأنثروبولوجيا الإثيوبي برهان أسفاو في مقابلة هاتفية من أديس أبابا: "وجدنا للتو سلسلة التطور أي الاستمرارية عبر الزمن". وقال "تطور شكل إلى آخر، هذا دليل على تطور حدث في مكان واحد عبر الزمن".
كان هذا المثال المفترض للتطور التدريجي لعلاقة سلف/خلف مباشرة مهمًا للغاية ليس فقط لمروجي الداروينية في وسائل الإعلام، ولكن أيضًا لعلماء الحفريات القديمة. ويعود السبب إلى أنه من النادر جدًا كما يعتقدون أن نجد مثالًا على مثل هذا الشيء؛ أي العلاقة المباشرة. ولقد اعترفت مراجعة رئيسية لتطور البشر كتبها عام 2015 برنارد وود ومارك جرابوسكي [8]، نشرت في كتاب التطور الكبير: التفسير والتعليل والدليل Macroevolution: Explanation, Interpretation and Evidence [9]، بأن الأمثلة المقبولة لتسلسلات سلف/خلف في أحافير أشباه البشر hominin نادرة للغاية:
معظم أصناف أشباه البشر، لا سيما أشباه البشر الأوائل، ليس لهم أي أسلاف واضحة، وفي معظم الحالات، لا يمكن بناء تسلسلات سلف/خلف (أي السلاسل الزمنية الأحفورية) بشكل موثوق - وهناك استثناءان محتملان مذكوران أدناه.
وخمنوا ما هو أحد أفضل المثالين؟ لقد كان تطور أ. أنامينسيس تدريجيًا ومباشرة إلى أ. أفارينيسيس:
عرض في وقت ما أو غيره كل من أشباه البشر الأوائل الذين تمت مناقشتهم أعلاه على أنه "السلف" لأشباه البشر اللاحقين، ولكننا نرى أن زوجين فقط من الأصناف هما أ. أنامينسيس مع أ. أفارينيسيس (Kimbel et al. 2006)، و P. aethiopicus مع P. boisei (Wood and Schroer 2013) ، يشكلان أمثلة مقنعة من علاقات سلف/خلف (أي أمثلة من التخلق التجدديanagenesis ). في حالة الزوج السابق، أ. أنامينسيس و أ. أفارينيسيس هما على الأرجح صنفان متتاليان زمنيًا ضمن سلالة مفردة مع توسط أحفورة Laetoli hypodigm من الصنف الأول بين أ. أنامينسيس وأحفورة hypodigm Hadar من نوع استرالوبيثكس أفارينسيس. دعمت هذه الفرضية باكتشاف الأدلة الأحفورية من Woranso-Mille في إثيوبيا والتي تعد وسيطة من الناحية الزمنية والناحية المورفولوجية بين أ. أنامينسيس و أ. أفارينيسيس (هيلا سيلاسي وزملاؤه 2010).
لكن لم يعد ممكنًا استعمال هذا المثال الخاص بـ "تسلسل سلف-خلف" لأن جمجمة أ. أنامينسيس المكتشفة العام الماضي عمرها 3.8 مليون سنة، أي ظهرت بعد100000 عام من ظهور أحافير أ. أفارينيسيس. فلم يعد ممكنًا افتراض الانتقال التدريجي بينهما.
لماذا يهمنا هذا؟
حسنًا، كما نعلم جميعًا، يفضل علماء الأحياء التطورية إثبات التطور التدريجي المباشر وليس التوازن المنقط لأن الأخير يقتضي التطور السريع دون تحولات في الأحفورات، بينما يعني التطور التدريجي أن الأشياء تتطور ببطء، كما توقع داروين تمامًا. روجت الورقة البحثية التي نشرها وايت وزملاؤه (2006) لتطور أ. أنامينسيس إلى أ. أفارينيسيس كمثال رائع محتمل لشكل من أشكال "التدرج" أو "التخلق التجددي" يرجح على "التوازن المتقطع":
شك جولد في أن "التدرج المتقطع punctuated gradualism " كان نادرًا. واعتقد في المقابل أن التوازن المتقطع (مع الانتواع من خلال "تكوين فرع سلالي جديد cladogenesis") كان أكثر شيوعًا، لكن إثبات التوازن المتقطع يتطلب التحقق من التزامن واستمرارية لكلا النوعين السلفي ونسله. كما لاحظ جولد أنه "يمكننا التمييز بين تقطع التخلق التجددي "التطور السريع" من تقطع الانتواع المتفرع بتطبيق المعيار القوي لقابلية الاختبار على بقاء الأسلاف بعد نشوء نوع منحدر منها. إذا بقي السلف، فقد نشأت الأنواع الجديدة عن طريق التفرع. إذا لم يبق السلف، فعلينا أن نعتبر الحالة إما على أنها حالة غير محسومة، أو أنها دليل جيد على التطور السريع - وعلى أي حال، هي ليست دليلًا على التوازن المتقطع." (ص 795) نادرًا ما تم استيفاء هذه المتطلبات في أحفورات أشباه البشر.
بالنسبة لأصل أسترالوبيثكس، فإن التطور السلالي مع موجة مفاجئة من تغير الاتجاه السريع خلال فترة 200000 سنة بين 4.4 و 4.2 مليون سنة ماضية لا تزال معقولة نظرًا إلى العلاقات الجغرافية والزمنية والمورفولوجية بين نوع Ar. ramidus ونوع استرالوبتيكس أنامينسيس وفهمنا لتشريح وتطور أسنان الرئيسيات. واعتمادًا على الأدلة المتاحة قد يتبين أن أصل أسترالوبيثكس هو حالة من "التدرج المتقطع" أو "تخلق تجددي متقطع" وليس بهيئة التطور العمودي rectangular evolution، ستانلي.
وهكذا يعترفون بأن متطلبات التطور التدريجي "نادرًا ما تحققت في أحافير أشباه البشر" لكن ورقة وايت وزملاؤه عام 2006 تنبأت بأن هذه هي حالة من التدرج. وسجلوا أنه من السهل اختبارها: "إذا بقي السلف، فإن النوع الجديد قد نشأ عن طريق التفرع" - أي عن طريق التوازن المتقطع.
حسنًا، يُظهر اكتشاف الجمجمة هذا لعام 2019 أن السلف المفترض قد بقي، لأن أ. أنامينسيس كما يبدو بقيت موجودة بتاريخ 3.8 مليون سنة، أي بعد 100000 عام من الوجود الفعلي لسليلها المفترض أ. أفارينيسيس. كما تنص ورقة " نيتشر" لعام 2019 [10] عن الاكتشاف:
نوضح كذلك أن أ. أنامينسيس و أ. أفارينيسيس يختلفان بأكثر مما عرف سابقًا وأن هذين النوعين يتداخلان لمدة 100000 عام على الأقل – مما يناقض الفرضية المقبولة على نطاق واسع للتخلق التجددي... والأهم من ذلك، تبين الجمجمة المكتشفة MRD أنه على الرغم من فرضية التطور التدرجي المقبولة على نطاق واسع، فإن أ. أفارينيسيس لم تظهر كنتيجة لتحول سلالي فيلوجيني كما تُظهر أن نوعين على الأقل من أشباه البشر قد تواجدا معًا في شرق إفريقيا منذ حوالي 3.8 مليون سنة، مما دعم أكثر فكرة تنوع أشباه البشر في منتصف العصر البليوسيني".
على الرغم من أنهم ما زالوا يعتقدون أن هناك علاقة سلالية محتملة بين أنامينسيس و أفارينيسيس، يجب علينا الآن شطب هذا المثال من قائمة "التدرج السلالي" أو ما أسماه وود وجرابوفسكي "أمثلة واضحة لعلاقات سلف/خلف (أي، أمثلة على التخلق التجددي)". أو كما ذكرت مجلة ساينس دايلي [11]:
يتحدى هذا التداخل الزمني الفكرة المقبولة على نطاق واسع عن الانتقال الخطي بين هذين السلفين البشريين الأوائل... كنا نعتقد أن أ. أنامينسيس تحول تدريجياً إلى أ. أفارينيسيس مع مرور الوقت. ما زلنا نعتقد أن هذين النوعين كان لهما علاقة سلف-خلف، لكن هذا الاكتشاف الجديد يشير إلى أن النوعين كانا يعيشان معًا في منطقة عفار لبعض الوقت. [تم إضافة التأكيدات].
مثال ثالث
بالإضافة إلى أ. أنامينسيس، وأ. أفارينيسيس، وهومو ناليدي، وجد بالصدفة مثال ثالث من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، شكلت أعمار أحافير أشباه الإنسان مشاكل للنموذج التطوري القياسي. وقد ذكرنا في مقال نشرناه [12] أيضًا في العام الماضي أن دراسة عن أسترالوبيثكس سيديبا sediba وسجل أحافير أشباه البشر المنشورة في مجلة Science Advances خلصت إلى أن هناك فرصة أقل من 0.1٪ في أن يكون أسترالوبيثكس سيديبا أحد أسلاف البشر. لأنه يلي ظهور أحفاده المحتملين في جنس الإنسان بحوالي 100000 عام. ولسبب ما لم يدرج معهد سميثسونيان هذه الدراسة في قائمة أهم الاكتشافات هذا العقد.
هناك ثلاثة اكتشافات كبيرة إضافية جرت في العقد سردها معهد سميثسونيان. تتعلق بتنقيحات طفيفة لأعمار لا تؤثر بشكل كبير على الدليل العام للتطور البشري:
(1) أن جنسنا الإنسان العاقلHomo sapiens ، يعود الآن إلى 300000 عام،
(2) أن الأدوات الحجرية تعود الآن إلى 3.3 مليون قبل عام، و
(3) يُعتقد الآن أن البشر المعاصرين قد غادروا "إفريقيا" في وقت سابق، بسبب عظم الفك في فلسطين الذي يرجع تاريخه إلى 174000-185000 عام.
نقول مرة أخرى أن الاكتشاف الأول هو مجرد تعديل طفيف للتواريخ المعتمدة سابقًا، وقد يكون العصر الثاني صحيحًا جدًا على الرغم من صعوبة تحديد الأعمار الدقيقة للأدوات. أما بالنسبة للاكتشاف الثالث، تضعه مجلة سميثسونيان على النحو التالي:
أعلن الباحثون في عام 2018 عن اكتشاف فك علوي في فلسطين يشبه الفك في نوعنا، أي الإنسان العاقل Homo sapiens قدر عمر الفك 174000-185000 سنة. يشير هذا الاكتشاف - مع اكتشافات أخرى من الصين واليونان - إلى أن الإنسان العاقل تنقل لفترة قصيرة في أوراسيا قبل الهجرة العالمية التي بدأت منذ 70 ألف عام.
وتعليقا على عام 2018 الذي كان " سنة مروعة"لأنثروبولوجيا الأحافير القديمة، كتب غونتر بيكلي [13]:
يصف مؤلفو هذه الدراسة الجديدة إعادة تأريخ فك بشري حديث اكتشف عام 2001 في كهف ميسلية في جبل الكرمل في فلسطين. بعد إعادة تقييم دقيقة للغاية، باستخدام أساليب مختلفة عالية التقنية، أكد فريق كبير من الباحثين أنه يعود إلى الإنسان الحديث العاقل. ولكن مع ذلك وصلوا إلى تاريخ جديد مؤكد ومفاجئ لهذه العينة يضعها بين 177000 و 194000 سنة قبل الوقت الحاضر، مما يجعلها أقدم دليل على وجود الإنسان الحديث خارج إفريقيا. تكمن المشكلة في أن السرد القياسي يؤكد أن الإنسان الحديث نشأ منذ حوالي 200000 عام في شمال شرق إفريقيا، وبعد ذلك بوقت طويل (حوالي 60.000 إلى 70.000 عام) غادر إفريقيا للانتشار في جميع أنحاء العالم (Callaway 2018b). الاكتشافات المفردة للإنسان الحديث في بلاد الشام قبل هذا الوقت، مثل بقايا عمرها 80000-120000 عام من كهف سخول وقفزة في فلسطين، اعتُبرت محاولات مبكرة فاشلة لمغادرة إفريقيا ولم تترك نسلًا في وقت لاحق. تظهر النتائج الجديدة وغيرها من الاكتشافات الحديثة أن مثل هذه الفرضيات لتبرير الواقع وتفسير تضارب الأدلة لم تعد ممكنة. لهذا السبب يقول البروفيسور هيرشكوفيتس، "لقد غير هذا الاكتشاف المفهوم الكامل للتطور البشري الحديث ... الرواية الكاملة لتطور الإنسان العاقل يجب ارجاعها للوراء بما لا يقل عن 100،000-200،000 سنة ". يعلق مؤلف المقال، "مع عظم فك كهف ميسليا، يعاد كتابة تاريخ التطور البشري" (Borschel-Dan 2018) [التأكيد مضاف]
أين سمعنا ذلك من قبل؟ يشير Dienekes Pontikos (2018)، الذي يدير إحدى أكثر مدونات علم الإنسان القديم شيوعًا، إلى النتائج الجديدة بعنوان "خارج إفريقيا: نظرية في أزمة"، ويلاحظ أنه "يجب أن تدفع لإعادة التفكير التقليدي لخروج الإنسان من أفريقيا". اسمع، اسمع!
زوجان أوليان؟
لسوء الحظ لم تتضمن قائمة مجلة سميثسونيان لأهم الاكتشافات في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين التعرف على قصة أهم بكثير أجابت على سؤال يهم شريحة واسعة من السكان: هل نشأ البشر من زوجين أوليين؟ طوّر العلماء المؤهلون بين عامي 2016 و2019 لأول مرة نموذجًا لاختبار صارم لوجهة النظر التطورية المفترضة منذ فترة طويلة بأن الإنسان الحديث ينحدر في الأصل من عدد كبير من السكان يتكون من آلاف الأفراد. أسفرت هذه الدراسة عن ثلاثة منشورات وجدت في الختام أنه ربما لم ينشأ الإنسان الحديث من عدد كبير من السكان، بل نشاء من زوج أولي عاش مؤخرًا منذ 500000 عام (أو ربما حتى وقت أقرب، إذا طرحت افتراضات أقل).
وفقًا للورقة النهائية لهذه الدراسة [14]، التي نُشرت في عام 2019 من قبل عالمة الأحياء آنا غوغر وعالم الرياضيات Ola Hössjer في مجلة BIO-Complexity ، لأنه في أبحاث نشأة البشر "فسرت بعض الافتراضات الشائعة التي تستخدم لتسهيل العمل كما لو أنها استنتاجات نشأت عن البيانات، دون اختبار فرضية النشأة من زوجين مفردين علميًا". يحاول نموذجهم اختبار سؤال إن أمكن للبشرية أن تكون قد نشأت من زوج أولي، ويسعى النموذج للقيام بذلك عن طريق تقليل الافتراضات:
يختلف نموذج SOC [النشأة من زوجين مفردين] الذي ندرسه عن التفسير السائد لأصل الإنسان في افتراضين فقط: (1) أننا تطورنا باستمرار من غير البشر في عدد كبير من السكان.
(2) أن التنوع الجيني يرجع دائمًا إلى طفرات الخلايا الجنسية germline.
بدلاً من أن نفرض على النماذج افتراض أن التنوع الجيني ينشأ فقط من طفرات الخلايا الجنسية، وأن أحجام المجموعات السكانية يجب أن تكون دائمًا كبيرة جدًا، تسمح ورقتهم "بالابتداء" بزوج من البشر الأوليين مع "تنوع بدائي".
هذه الدراسة هي مثال رائع لكيفية السماح باختبار نموذج من خلال التنفيذ العادل لشروط حدوده. إنه يوضح بالضبط لماذا من الخطأ استخدام التفكير الدائري لنفترض أولاً بأن شروط الحدود التطورية غير الموجهة هي الخيارات الوحيدة، ومن ثم الاستنتاج بأن النماذج الأخرى خاطئة بالتأكيد. بعد تطبيق شروط الحدود التي وضعها الباحثون وتطبيق رياضيات علم الوراثة السكانية، استنتج المؤلفون أن "حاصل ما نعرفه علميًا من البيانات الجينية، قد يكون الجنس البشري قد جاء من زوجين مفردين، بحيث يمكن لجميع البشر على قيد الحياة اليوم أن ينحدروا بشكل فريد من هذا الزوج الأول. ووجدوا أن هذين الزوجين الأولين ربما عاشا قبل 500000 عام. لمزيد من التفاصيل حول هذا البحث، راجع موقع Uniqueoriginresearch.org .
بالطبع تلتزم مؤسسة سميثسونيان تمامًا بنظرة تطورية غير موجهة فعلًا للأصول البشرية، كما أوضحت قاعة الأصول البشرية في واشنطن العاصمة، ومعرض أصولهم البشرية المتنقل في السنوات الأخيرة. فليس من المفاجئ تجاهلهم للدراسات التي تحدت الفكر التطوري السائد، وتتسق بشكل إيجابي مع الاكتشافات في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين التي أضعفت فعلًا الدليل على التطور البشري. إذا كان هناك أي شيء، فإن هذه الاكتشافات تظهر أن العقد الأول من القرن الحادي والعشرين لم يكن بنهاية المطاف عقدًا رائعًا للأدلة القديمة الأنثروبولوجية لتطور الإنسان.
ربما سنجري هذه الحوار مرة أخرى بعد عشر سنوات – وقد تمنحنا جميعًا وقتها مؤسسة سميثسونيان تحليلاً أكثر موضوعية للأدلة. فمن يدري ما سيأتي به العقد القادم؟
ملاحظات:
1ـ مقال مجلة معهد سميثسونيان " أكبر اكتشافات هذا العقد في تطور الإنسان":
https://www.smithsonianmag.com/blogs/national-museum-of-natural-history/2020/04/28/these-decades-biggest-discoveries-human-evolution/
2- خبر الهومو ناليدي كما ورد في محطة CNN:
https://www.cnn.com/2015/09/10/africa/homo-naledi-human-relative-species/
3- مقال "خيبة أمل إذ يبدو أن هومو ناليدي أصغر سنًا مما كان يعتقد مسبقًا"
https://evolutionnews.org/2017/04/disappointment-it-looks-like-homo-naledi-is-younger-than-previously-thought/
4- مراجعة عن الهومو ناليدي تبدي كيف طبق علماء الأحافير القديمة مبادئ التصميم الذكي:
5- مقال غنتر بيكلي:
https://evolutionnews.org/2019/09/apeman-waves-goodbye-to-darwinian-gradualism/
6- مقال تيم وايت وزملائه في مجلة نيتشر:
https://www.nature.com/articles/nature04629
7- خبر اكتشاف الأحفورة في وكالة الأسوشيتد بريس، بعنوان اكتشاف أحفورة تسد ثغرة في التطور البشري:
http://www.nbcnews.com/id/12286206/ns/technology_and_science-science/t/fossil-discovery-fills-gap-human-evolution/%22%20%5Cl%20%22.XqogwS_MxTZ
8 – مراجعة بيرنارد وود ومارك جرابوسكي:
https://link.springer.com/chapter/10.1007/978-3-319-15045-1_11
9- كتاب (التطور الكبير: التفسير والتعليل والدليل):
https://www.google.com/books/edition/Macroevolution/9YutBgAAQBAJ
10- مقال نيتشر الذي ذكر اكتشاف الجمجمة:
https://www.nature.com/articles/s41586-019-1513-8
The cranial morphology of the earliest known hominins in the genus Australopithecus remains unclear. The oldest species in this genus (Australopithecus anamensis, specimens of which have been dated to 4.2–3.9 million years ago) is known primarily from jaws and teeth, whereas younger species (dated to 3.5–2.0 million years ago) are typically represented by multiple skulls. Here we describe a nearly complete hominin cranium from Woranso-Mille (Ethiopia) that we date to 3.8 million years ago. We assign this cranium to A. anamensis on the basis of the taxonomically and phylogenetically informative morphology of the canine, maxilla and temporal bone. This specimen thus provides the first glimpse of the entire craniofacial morphology of the earliest known members of the genus Australopithecus. We further demonstrate that A. anamensis and Australopithecus afarensis differ more than previously recognized and that these two species overlapped for at least 100,000 years—contradicting the widely accepted hypothesis of anagenesis.
11- مقال ساينس ديلي:
https://www.sciencedaily.com/releases/2019/08/190828140118.htm
12- مقال موقع أخبار التطور عن تفحص تواريخ أسلاف البشر:
13- مقال غنتر بيكلي عن عام 2018:
14- ورقة آن جيجر في مجلة التعقيد الحيوي BIO-complexity:
https://bio-complexity.org/ojs/index.php/main/article/view/BIO-C.2019.1