قلنا عن البارحة أنه يوم سعيد جدا لمعارضي التطور حول العالم! 😄
ومن وقتها والاعتراضات والأسئلة تتكرر، لماذا؟
جائزة نوبل في الطب، كما قال ألفرد نوبل نفسه، يجب أن تعطى لـ"من قام بأهم اكتشاف في مجال الطب أو علم وظائف الأعضاء"...
ولنضع العديد من الخطوط تحت كلمة مجال، فهي كلمة السر في هذه القصة.
فهل العمل الذي قام به د. بابو كان في مجال الطب أو علم وظائف الأعضاء؟
لكي نفهم أكثر ما هي نوعية الاكتشافات التي تعطى لها جائزة نوبل، دعونا نقرأ مسببات منح الجائزة منذ بداية هذا القرن:
2000 = "لاكتشافاتهم المتعلقة بنقل الإشارة في الجهاز العصبي"
2001 = "لاكتشافاتهم المنظمين الرئيسيين لدورة الخلية"
2002 = "لاكتشافاتهم المتعلقة بالتنظيم الجيني لنمو الاعضاء وموت الخلية المبرمج"
2003 = "لاكتشافاتهما المتعلقة بالتصوير بالرنين المغناطيسي"
2004 = "لاكتشافاتهما المتعلقة بمستقبلات الرائحة وتنظيم نظام الشم"
2005 = "لاكتشاف البكتيريا هيليكوباكتر بيلوري ودورها في أمراض المعدة ومرض القرحة الهضمية"
2006 = "لاكتشافهما تداخل الرنا -الإسكات الجيني بواسطة رنا- مزدوج الشريط"
2007 = "لاكتشافاتهم المتعلقة بمبادئ إدخال تعديلات جينية معينة لدى الفئران عن طريق استخدام الخلايا الجذعية الجنينية"
2008 = "لاكتشافه فيروسات الورم الحليمي البشري الذي يسبب سرطان عنق الرحم"
و"لاكتشافهما فيروس نقص المناعة البشرية"
2009 = "لاكتشاف كيفية حماية الكروموسوم بواسطة تيلومير وإنزيم تيلوميراز"
2010 = "لتطويره الإخصاب في الأنابيب"
2011 = "عن اكتشافاتهما حول تنشيط المناعة الطبيعية"
و"عن دراساته حول الخلية الجذعية ودورها في المناعة التكيفية"
2012 = "لاكتشاف الخلايا الناضجة التي يمكن ترجمتها لتصبح خلايا محفزة"
2013 = "لاكتشافاتهم الآلية التي تنظم مرور الحويصلة، وهو نظام نقل رئيسي في خلايانا"
2014 = "لاكتشافهم الخلايا التي تسمح للمخ بالوقوف في الفضاء"
2015 = "لاكتشافاتهم المتعلقة بعلاج جديد للعدوى التي تسببها طفيليات الدودة"
و"لاكتشافاتها المتعلقة بعلاج جديد للملاريا"
2016 = "لاكتشافاته آليات الالتهام الذاتي"
2017 = "لاكتشافهم لآليات جزيئية تتحكم في الساعة البيولوجية للإنسان"
2018 = "لدورهما في اكتشاف علاج للسرطان باستخدام النظام المناعي"
2019 = "لاكتشافاتهم عن كيفية تحسس الخلايا لتوافريّة الأكسجين وتكيفها مع ذلك"
2020 = "لدورهم بكشف فيروس التهاب الكبد الوبائي سي"
2021 = "لاكتشاف مستقبلات درجة الحرارة واللمس"
لا شيء من هذه الاكتشافات إطلاقا يرتكز على اكتشاف تاريخي!
وهكذا كان الأمر على مدار أكثر من 120 عاما!
لأول مرة في تاريخها منذ أن بدأت الجائزة، تعطى لاكتشاف متعلق بأحداث تاريخية ماضية!
هل تتخيلون معنا قدر هذا الحدث الجلل الذي نواجهه؟ 😄
ما الذي قدمه د. بابو إذن لكي يتم وضعه في هذه اللائحة؟
في البداية ينبغي التشديد على أننا نحترم تماما الجهد العلمي الضخم الذي قام به د. بابو وفريقه، د. بابو وجميع العاملين في الحقل العلمي لهم كامل الاحترام والتقدير على جهودهم الضخمة في إثراء المعرفة البشرية، وإنما تقتصر معارضتنا فقط للجهود الكبيرة التي تبذل في مناصرة أيدولوجية خاطئة بعينها، سواء كان التطور الدارويني أو غيره.
أيضا ينبغي التوضيح أن أبحاث د. بابو عن النياندترال ودينيسوفا ليست محل اعتراض من وجهة نظرنا بين مؤيدي ومعارضي التطور، فوفقا لد. سيغريد شيرر (الباحثة بالمعهد الأنثروبولجي بجامعة ميونخ سابقا) فمن الممكن تفسير الاختلافات بين الأنواع الشبيهة بالبشر والتي تنتمي للجنس Homo من خلال التأثيرات التطورية الصغيرة Microevolutionary نتيجة تنوعات الحجم والضغوط المناخية والجنوح الجيني Genetic Drift والتعبير التفريقي Differential Expression للجينات المشتركة.
فالتطور الذي أثبتته أبحاث د. بابو، ليس من نوع التطور الذي يثير الخلاف بين مؤيدي ومعارضي الداروينية أصلا! هذا النوع من التطور، مثبت وعليه العديد من الأدلة من شتى المجالات، الاعتراض يأتي فقط أثناء محاولة مؤيدي التطور والمتعصبين له تعميم الأدلة الصحيحة المرصودة على الفئات التصنيفية الأعلى (العائلة والرتبة والطائفة والشعبة إلخ) بدون أدنى دليل!
لكن هذا ليس قضيتنا الآن، قضيتنا هي، لماذا انحرفت جائزة نوبل في الطب والفيسيولوجيا عن مسارها هذا العام وتم إعطائها لاكتشاف يضيف لمعرفتنا من الناحية التاريخية؟
هل أصبحت الجائزة فجأة لتاريخ الطب وتاريخ وظائف الأعضاء؟
ما هو الدافع القوي الذي يجعل الجائزة تذكر "التطور" للمرة الأولى في تاريخها؟ وللمرة الثانية في تاريخ كل جوائز نوبل؟
وفقا للبيان المتقدم الذي نشرته اللجنة المانحة لجائزة نوبل، ما قام به د. بابو وفريقه كان اكتشافا ذا أبعاد تاريخية في الأساس! ولكن له علاقة بعلم وظائف الأعضاء البشري، هذه العلاقة شرحت في البيان تحت عنوان (Relevance for human physiology)، فما هي هذه العلاقة؟
في السطر الأول في هذه الفقرة، تقول اللجنة: "يقدم عمل سافنتي بابو احتمالات مثيرة"، مما يعد انحرافا آخر عن مسار الجائزة، فبعد أن كانت الجائزة تعطى للاكتشافات المؤكدة في المجال، لأول مرة تعطى للاكتشافات المؤكدة تاريخيا ذات الاحتمالات المثيرة وظيفيا!!
وتختم اللجنة الفقرة بقولها: "التسلسلات المدخلة -في أحداث التدفق الجيني بين جينوم نوعنا ونوعي النياندترال والدينيسوفان- التي حدث لها انتقاء إيجابي من المحتمل أن تقدم معلومات وظيفية عن جينومنا (مادتنا الوراثية)".
مرة أخرى، لا تخجل جائزة نوبل من أن توضح لنا أنها تعي فعلا أن الإسهام الرائع في تاريخنا الجيني، لا يعني أنه بالمثل إسهام مؤكد في علم وظائف الأعضاء! ومرة أخرى نؤكد، ليس لهذا تعطى نوبل عادة!
ونكمل الفقرات لنقرأ بعد ذلك عن أمثلة لهذه التسلسلات المدخلة نسخة جين مسار نقص الأكسجة المستقاة من نوع الدينيسوفان EPAS1، والتي توفر أفضلية للبقاء عند العيش على ارتفاعات عالية، وهي تتواجد بالفعل في سكان التبت الحاليين.
مرة أخرى؛ معلومة تاريخية مفيدة وهامة وجيدة ورائعة، ولكن ليست من نوع المعلومات التي تعطى من أجلها نوبل في الطب والفيسيولوجيا!
ولو أن جائزة نوبل ستعطى لكل اكتشاف لكل جين، لانتهت ميزانية السويد والنرويج ولم تنتهي كل الجوائز المطلوبة!!!
مثال آخر رائع يتم توضيحه من أعمال د. بابو هو لمجموعة جينات تشفر لمستقبلات شبيهة بالتول TLRs وهي TLR6-TLR1-TLR10 وهي مستقبلات تشترك في التعرف على الميكروبات وتداخلات في تفاعلات الحساسية.
هذه المعلومات التاريخية العظيمة، لم يكن سيتم اكتشافها لولا أبحاث د. بابو، فلا يقلل من قدرها أبدا أي شخص يقدر المعرفة العلمية، ولكن مرة أخرى نسأل، هل أصبحت الجائزة في تاريخ وظائف الأعضاء والتاريخ الطبي؟!
وبما أن الإجابة بالطبع لا، فهل كل اكتشاف مماثل لمجموعة من المستقبلات المناعية سيحصل على نفس التقدير ويمنح جائزة نوبل في الطب والفيسيولوجيا؟
وبما أن الإجابة الواضحة هي لا أيضا، فما هو السبب إذن الذي يجعل الجائزة تمنح لد. بابو!
ما زلنا نبحث عن السبب، وسندلف إلى أسخن منطقة في التقرير، تلك المنطقة التي شغلت البشرية منذ بداية هذا العقد، فيقول التقرير: "أظهرت الدراسات الحديثة التي أجراها كل من بابو وزيبراج أن الأليلات القديمة على الكروموسومات 3 و 12، والتي تتضمن إنزيم أوليجادينيلات المركب OAS، يمكن أن تؤثر في احتمالية الإصابة بفشل الجهاز التنفسي أثناء العدوى بفيروس S-A-R-S-C-o-V-2".
يعني كل الجهود الضخمة التي أجريت للمساهمة في فهم ومعالجة هذا الفيروس تم تجاهلها، وهذا الاكتشاف المتواضع بالمقارنة بغيره من الجهود المتعلقة بفهم ومعالجة والوقاية من هذا الفيروس هو الذي يتم اختياره للحصول على الجائزة، هو الذي يعطي الجائزة، فما.... هو..... السبب؟! 😄
الانحياز الأيديولوجي ورغبة المؤسسات السويدية في أن تكون لها دورًا في مناصرة نظرية التطور، هو السبب الذي نطرحه للإجابة على كل هذه الأسئلة.
هو اتجاه لطالما سلكه بشكل مباشر العديد من الأكاديميات العلمية الضخمة كـ NAS وAAAS في الولايات المتحدة وRoyal Society في المملكة المتحدة ..إلخ، وسلكته الأكاديمية السويدية الملكية للعلوم في عام 2018 حينما وضعت الأيقونة الزائفة لتطور البشر من القرود، والتي يعرف جميع مؤيدي التطور أنها ليست توصيفا دقيقا لما يؤمنون به عن تطور البشر من القرود، وحينما أقحمت ذكر التطور في اكتشاف هندسي تصميمي يناقد كل أبجديات التطور العشوائي غير الموجه، والآن لجنة نوبل في معهد كارولينسكا المانحة لجائزة نوبل من السويد تسير في نفس الطريق، وتعلن لنا أنها هي الأخرى لا بد أن يكون لها دور في تأييد نظرية التطور والتأكيد على صحتها وعلى أنها النظرية العلمية الوحيدة المقبولة.
كل هذه الجهود لتأييد نظرية التطور والتأكيد على صحتها يؤكد لنا على أن المعارضة قامت بدور غير مسبوق، وإن كانت المعارضة غير علمية كما يدعون، فلماذا كل هذا العناء؟
لماذا ينحرفون بجائزة نوبل في الطب عن مسارها؟
لماذا يضطرون لوصف هندسة الإنزيمات بأنه تسخير لقوة التطور؟
لماذا يوجعون رؤوسهم بالدخول في جدل هو خارج إطار عملهم؟
نتمنى، ونرجو، ونأمل، أن يأتينا مؤيدي التطور بتفنيد تفصيلي يثبت خطأ ما طرحناه، إن حدث هذا نعدكم بحذف المنشور والاعتذار. 😄