الوضع الحالي[1]
في ديسمبر عام 2004، تصدر الفيلسوف البريطاني المعروف «أنتوني فلو» الأخبار في كافة أنحاء العالم، عندما تخلى عن عقيدته الإلحادية التي لازمته طوال حياته، وقد كانت[2] إحدى العوامل التي ساهمت في قراره دليل التصميم الذكي في جزيء الدنا.[3] في نفس الشهر، قدم الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية دعوى قضائية لإصدار قرار يمنع «مدرسة دوفر» في منطقة «بنسلفانيا» من إعلام طلبتها عن وجود كتاب مرجعي في مكتبة المدرسة يستطيعون من خلاله دراسة وتعلم أطروحات نظرية التصميم الذكي.[4]
وفي فبراير التالي، نشرت جريدة «وول ستريت» تقريرًا أعده «ديفيد كلينهوفر» عن العقوبة التي وقعت على عالم تطوري في مؤسسة «سميثسونيان»، يحمل شهادتي دكتوراه في مجاله؛ لنشره مقالة علمية محكمة تحاجج عن نظرية التصميم الذكي.
منذ 2005، أحيطت نظرية التصميم الذكي بموجة تغطية إعلامية دولية، وتم تغطيتها بشكل بارز في أشهر الصحف؛ «نيويورك تايمز»، و«نيتشر»، و«التايمز» و«الإندبندنت» من لندن، و«سيكاي نيبو Sekai Nippo» من «طوكيو»، و«التايمز The Times» من الهند، و«دير شبيجل Der Spiegel»، و«الجيروزليم بوست The Jerusalem Post»، وأخيرًا وليس آخرًا مجلة «تايم».
أما مؤخرًا، فقد عُقِد مؤتمر كبير عن التصميم الذكي في مدينة «براغ»، حضره سبعمائة شخص من علماء وطلبة وباحثين من مناطق مختلفة؛ كالولايات المتحدة وأوروبا وإفريقيا؛ كل ذلك يشير إلى كون نظرية التصميم الذكي قد جذبت أنظار العالم واهتمامه.
ولكن ما هذه النظرية؟ ومن أين نشأت؟ ولماذا استحثت الهمم وألهمت العديد ليبذلوا الجهود لقمعها؟
وفقًا لسلسلة من التقارير الإعلامية الحديثة، فإن نظرية التصميم الذكي هي نظرية جديدة من تلك النظريات التي تحاول إيجاد بديل للتطور، قائمة على اليقين الإيماني والديني لا الأدلة العلمية.
وتوسم النظرية بأنها إعادة هيكلة للخلقوية Creationism التي يطرحها الأصوليون للالتفاف على قرار المحكمة العليا للولايات المتحدة في عام 1987، الذي يقر بمنع تعليم الخلقوية في المدارس العمومية في الولايات المتحدة، وخلال العامين الأخيرين، نشرت العديد من المجلات والجرائد الإخبارية الهامة هذه الدعاوى الخطابية في «الولايات المتحدة» وحول العالم.
ولكن، هل هذه الادعاءات دقيقة؟ كواحد من مؤسسي نظرية التصميم الذكي، ومدير في مركز البحث الذي يدعم أعمال العلماء القائمين على تدعيم وتطوير النظرية، فإنني أقول: إنها ادعاءات عارية من الصحة.
والحق أن نظرية التصميم الذكي لم تكن تطورًا حجاجيًا كرد على النكسة القانونية التي تعرض لها الخلقيين في العام 1987، بل تم تقديمها لأول مرة في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات بواسطة مجموعة من العلماء («تشارلز ثاكستون Charles Thaxton» و«والتر برادلي Walter Bradley» و«روجر أولسون Roger Olson»)، في محاولتهم للاستجابة لأحد الأسرار الغامضة في علم الأحياء المعاصر، والمتمثل بأصل المعلومات المشفرة في سلاسل الدنا.
«ثاكستون» وزملاؤه استنتجوا أن خصائص المعلومات المختزنة في الدنا تعطي دليلًا قويًّا لتصميم ذكي مسبق ولكنه غير محدد، وعرضوا هذه الفكرة في كتاب نشروه عام 1984، وبعد نشرهم لكتابهم بثلاثة أعوام أقرت المحكمة العليا في الولايات المتحدة –في القضية المعروفة: إدوارد ضد أجيلارد– بحظر تدريس الخلقوية.
في بدايات الستينيات والسبعينيات، بدأ الفيزيائيون إعادة النظر في أطروحة التصميم، فقد أدهش العديد منهم الاكتشاف الذي يشير إلى كون قوانين الفيزياء وثوابته مضبوطة بشكل دقيق لتجعل الحياة ممكنة على ما هي عليه، فكما قال عالم الفضاء «فريد هويل»: فإن الضبط الدقيق في قوانين وثوابت الفيزياء يشير لتصميم ذكي قد تلاعب بالفيزياء لصالحنا.
الاهتمام المعاصر في أطروحة التصميم يسبق بكثير واقعة الحكم بمنع الخلقيين من تدريس نظريتهم، بل إن نظرية التصميم الذكي تخالف بشكل أساسي في محتواها ومنهجيتها الخلقوية، والتي تؤسس أطروحاتها على الكتاب المقدس؛ في حين أن نظرية التصميم الذكي تأسست لمحاولة شرح وتفسير بعض الصور والأشكال التي نلاحظها في الطبيعة، والتي تشير باستمرار إلى وجود مسبب بالاعتماد على النظام السببي أحد أهم القوانين التي يقوم عليها عالمنا.
ومن هنا فإن ما تستنتجه نظرية التصميم الذكي قائم على أدلة تجريبية؛ إضافةً إلى أن استدلالاتها لا تحتكم إلى أي مرجعية دينية.
وفيما يخص محتوى النظرية فإنه يختلف أيضًا عما يرد في نظرية الخلقويين؛ فالخلقوية تُعرف –بحسب المحكمة العليا في «الولايات المتحدة»– بأنها تدافع عن بعض القراءات والتفسيرات في سفر التكوين من الكتاب المقدس، وتحديدًا التي تؤكد على حرفية ما ورد في الكتاب المقدس بأن الله قد خلق الأرض في مدة ستة أيام –كل يوم أربعة وعشرة ساعة– منذ بضعة آلاف من السنين.
في حين أن، نظرية التصميم الذكي لا تقدم أي تفسير لسفر التكوين، ولا تتحدث عن أي نموذج لتفسير الطول الزمني التوراتي لأيام الخلق، ولا تقترح أي عمر محتمل للأرض، بدلًا من ذلك، فإنها تطرح تفسيرًا سببيًّا –تعلل من خلاله– التعقيد المُلاحظ في الحياة والطبيعة.
ولكن إذا كانت نظرية التصميم الذكي ليست الخلقوية، فما هي إذن؟ إن نظرية التصميم الذكي هي نظرية علمية مبنية على الأدلة، تناقش أصل الحياة وتتحدى بشكل واضح الرؤية المادية للتطور، فبحسب علماء الأحياء التطوريين كـ«ريتشارد دوكينز» من «جامعة أكسفورد»، فإن الأنظمة الحية "تبدو وكأنها مصممة لغاية معينة".
لكن، وفقًا للداروينيين فإن المظهر الذي يوحي بالتصميم هو مجرد وهم؛ لماذا؟ تفترض الداروينية الجديدة بأن عمليات ليست موجهة أبدًا مثل الانتخاب الطبيعي والطفرات العشوائية قادرة تمامًا على إنتاج أنظمة حية ذات كيانات شديدة التعقيد توحي بالتصميم، فيرون أن الانتخاب الطبيعي يستطيع محاكاة قوى ذات قدرات تصميمية عالية الذكاء بدون أن يكون هو نفسه موجه بأي شكل من أشكال الذكاء.
في المقابل، فإن نظرية التصميم الذكي ترى أن هناك العديد من الظواهر الطبيعية ذات الخصائص الدالة على الذكاء في الأنظمة الحية والكون ككل، على سبيل المثال: خواص المعلومات المشفرة في الدنا، والآلات والدوائر المجهرية في الخلايا، والضبط الدقيق في قوانين وثوابت الفيزياء؛ يمكن تفسيرها بشكل أفضل بعزوها إلى مسبب ذكي بدلًا من العمليات المادية غير الموجهة.
ومن الجدير بالذكر أن نظرية التصميم الذكي لا تتحدى فكرة «التطور»، والتي يتم تعريفها بالتغير عبر الزمن، أو وجود السلف المشترك، ولكنها تخالف فكرة «داروين» بأن السبب المنتج للتغير البيولوجي هو عملية عمياء غير موجهة.
فالحياة إما أنها نشأت كنتيجة لعمليات مادية خالصة، أو أن هناك ذكاءً تصميميًّا لعب دورًا في إيجاد الحياة؛ يحاجج منظري التصميم على صحة الأخيرة، ويؤكدون على أن الكائنات الحية تبدون وكأنها مصممة، لأنها هي بالفعل كذلك.
[1] نُشِرت هذه المقالة في أكتوبر 2008، ومنذ ذلك التاريخ والوضع في تقدمٍ للأفضل.
[3] (DNA) الحمض النووي الريبوزي المنقوص الأكسجين، وسيُصطلح عليه في هذه الترجمة بـالدنا فقط اختصارًا.
[4] لتفاصيل أكثر حول هذه القضية، يرجى مراجعة سلسلة (إعادة المحاكمة) من إصدارات مركز براهين.