لماذا هذا الكتاب؟!
أكثر من عشرة سنوات مرت على الحكم على نظرية "التصميم الذكي" بأنها ليست نظرية علمية، من خلال قاضي محكمة المنطقة الوسطى في ولاية بنسيلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية، ومع ذلك ما زال البعض يردد هذه الحكاية –الساقطة بكل المقاييس–، كدليل على استبعاد التصميم الذكي من دائرة العلم.
"خلال تلك الشهور العصيبة التالية لقضية دوﭬر، اتخذت أكبر قرار في حياتي المهنية. فبدلا من التوقف والهروب، قررت المخاطرة بكل شيء. قناعتي بالأهمية القصوى للتصميم الذكي، جعلتني أترك منصبي الدائم كأستاذ جامعي، لتكريس كافة طاقاتي لمركز الثقافة والعلوم بديسكفري. حينما اكتشف أحد الزملاء الملاحدة، تركي لمنصبي في الجامعة، بدأ في المضايقة والشماتة، وأخبرني وقتها –وهو سعيد– أنه بعد الحكم في دوﭬر لن أجد لي وظيفة، وأن كل من التصميم الذكي ومعهد ديسكفري سيتدمران".
كتب د. جون ويست (نائب رئيس معهد ديسكفري حاليا، وأستاذ العلوم السياسية بجامعة سياتل سابقا) هذه السطور في مقال له بمناسبة مرور عشرة سنوات على الحكم في دوﭬر. محتفلا بفشل نبوءة البروفيسور الملحد، وفشل القاضي والمدعين ومن ورائهم في محاولة إخماد نظرية علمية باستعمال السلطة القضائية والنفوذ السياسية والإعلامية.
بدأت القصة بمحاولة إدارة مدرسة منطقة دوﭬر بولاية بنسيلفانيا في إعلام طلاب فصل البيولوجيا من خلال بيان يلقى على الطلاب في الفصل لمدة دقيقة، وفحواه أن نظرية التطور الدارويني ليست هي الوحيدة التي تتناول قضية نشأة الحياة وتنوعها، وأن هناك نظرية علمية أخرى تدعى "التصميم الذكي"، وأن من يريد التعرف على المزيد حول الأمر عليه مطالعة كتاب (الباندا والناس) في مكتبة المدرسة.
الجدير بالذكر أن تصرف إدارة المدرسة كان تصرفا منفردا، لم يدعمهم فيه لا معهد ديسكفري ولا مؤسسة الفكر والأخلاق –ناشر كتاب الباندا–، بل إن إدارة معهد ديسكفري طلبت منهم كثيرا تجنيبهم ذلك الصراع المبكر. فمن وجهة نظرهم، لم يحن الوقت بعد لتدريس التصميم الذكي للطلاب في المدارس، فالأمر ينبغي أن يظل في المناظرات العلنية بين المتخصصين، وفي المحاضرات التعريفية العامة، ولا ينتقل إلى المدارس إلى بعد أن تتكون الحاضنة الاجتماعية للنظرية العلمية لدى الجموع. فالأمر ليس يسيرًا في الولايات المتحدة حين يتعلق بـ"علمانية الدولة".
تصرف إدارة المدرسة، أعطى الفرصة الذهبية للوبي الدارويني للزج بالنظرية نفسها إلى المحاكم، فقضيتهم الرئيسية ليست في تصرف إدارة المدرسة الحكومية المخالف للدستور الأمريكي، ولكن قضيتهم الرئيسية هي محاولة قتل نظرية التصميم الذكي بأي وسيلة.
لا يسلم القضاء في أي بلد من البلدان من التحيز، ولكن أن يصل هذا التحيز إلى أن يقبل القاضي مناقشة "النظريات العلمية" داخل أروقة المحكم، ويعطي لنفسه الحق في تحديد ما ينطبق عليه صفة العلم، ثم يلزم ناشر الكتاب بتسليم كافة المسودات السابقة والتالية لنشر الكتاب، ثم بعد ذلك يرفض أن يوكل الناشر محاميا للدفاع عنه، ثم يتجاهل قراءة الملفات التي يوردها المدعى عليه، ثم يزيف أقوال شهود المدعى عليهم، ثم ينقل صفحات كاملة في مصوغات حكمه من نص الادعاء الذي يقدمه المدعي لإثبات التهمة على المدعى عليه! فنحن نتحدث إذا عن أكبر من مجرد دعوى قضائية.
لذلك كانت هذه السلسلة؛ سلسلة (إعادة المحاكمة)، التي نطرح فيها عبر حلقات منفصلة، إعادة للمحاكمة العجيبة التي يحلو لمؤيدي التطور من الملحدين والمؤمنين طرحها أولا على الطاولة، قبل حتى أن يبدأ النقاش. فإن كان الأمر لديهم أن "القضية انتهت"، نطرح هذه السلسلة لنؤكد من خلالها أن القضية لا تنتهي أبدًا بهذه السهولة، أو كما يعلق د. بيهي في نهاية مقاله هنا "في 21 ديسمبر 2005، وكما كان الأمر يسري سابقا، لا يوجد أي تفسير للآلية الجزيئية في الحياة بخلاف التصميم إلا التكهنات الحالمة والقصص المختلقة".
في هذا الإصدار، نبدأ بمقال جون بيول، ناشر كتاب (الباندا)، والذي يروي قصة قضية دوﭬر من جانبه، ثم ننتقل لتعليقات د. مايكل بيهي، أستاذ العلوم البيولوجية بجامعة ليهاي بولاية بنسيلفانيا والذي حضر المحاكمة في صف المدعى عليه بصفته خبير. وأخيرًا ثلاثة ملاحق؛ الأول هو خاتمة كتاب تصميم الحياة –النسخة الأحدث من كتاب الباندا والناس–، ويطرح فيها المؤلفين صورة إجمالية للتدخلات الإعلامية والقضائية والسياسية في القضايا العلمية، والثاني مختصر لمذكرة أصدقاء المحكمة الداعمين للمدعى عليه في القضية، والثالث للتنويه ببعض المنشورات الداعمة للتصميم الذكي المراجعة من قبل الأقران.